تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

أبطال الحوار

عصفت في ذهن تاماس هورن فكرة "مؤسسة تاكسي الخير" عندما بلغت أزمة المهاجرين الأوروبيين ذروتها في عام 2015. ففي كل مكان حوله، كان أهل المجر الطيبون يفتحون قلوبهم وبيوتهم لمساعدة طالبي اللجوء. وبعد مراقبته هذا المشهد فترة من الزمن، فَكَّرَ تاماس وَقَدَّرَ، ثُمَّ نَظَرَ، ثُمَّ سأل: إن كان بوسعهم أن يحتشدوا لدعم هذا التدفق المؤقت للمهاجرين، لمَ لا نحافظ على هذا الحماس ونستغله لمساعدة المجريين الذين يعيشون في فقر مدقع؟

أبطال الحوار

نشأت "شانتال سويسا رَن" في قرية هولندية في ثمانينيات القرن الماضي وهي تدرك وضع الأقلية فيها تمام الإدراك.

قالت شانتال: "لقد نشأنا يهودًا، لكننا كنا نعيش في هذه البيئة التي لا تدين بدين اليهودية. فتعلمتُ في سنٍّ مبكرة كيفية العيش بين عالَمين يتحدث كل منهما لغة مختلفة، وهذا جعلني أشعر بحساسية تجاه احتياجات الأقليات الأخرى".

أبطال الحوار

بدأ شغف هبة إبراهيم بالحوار بين أتباع الثقافات كحوار مسائي مع الذات، تقول: «لا تتحدث عائلتي اللغة الإنكليزية بكثرة، لذلك اعتدت على تدريب نفسي على تعلُّم هذه اللغة بوساطة التحدث إلى وسادة النوم خاصتي ليلًا. وذات ليلة، تزامن مرور والدي بجانب باب غرفتي مع حديثي المعتاد إلى وسادتي؛ ما دفعه إلى الدخول وسؤالي عمَّن يشاركني الغرفة! فأجبته قائلة: «لا أحد، بإمكانك معاينة الغرفة بكاملها لتتحقق من ذلك. أظنُّ بأنَّه كان مرتابًا من أمري».

 تتذكَّر هبة هذه التفاصيل وترويها مبتسمة.

أبطال الحوار

تمثل جامعة يانغون للتعليم، التي وصل فيها ميو هتوت (Myo Htut) إلى عامه الرابع- نموذجًا مصغَّرًا للتنوع الثري في ميانمار. يقول ميو واصفًا تجربته الجامعية: "إن جامعتي تضم طلابًا بوذيين ومسيحيين وهندوس ومسلمين من خلفيات عرقية وثقافية مختلفة في جميع أنحاء البلد. وحينما كانت تحتدم نقاشاتنا بشأن دياناتنا، كنت أحاول تهدئة الناس بالقول إننا لا بد أن يكون لنا جميعًا الحق في التعبير عن معتقداتنا".  

احتفل منتدى الحوار بين أتباع الأديان من أجل السلام ، وهو منصة يدعمها مركز الحوار العالمي ومقرها في نيجيريا، باليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا أعمال العنف القائمة على أساس الدين أو المعتقد في 22 أغسطس / آب من خلال زيارة مخيمات النازحين داخلياً في مدينة أبوجا والتبرع بالمواد الأساسية، والاستماع إلى قصصهم، والتعرف على احتياجاتهم من أجل التوصُّل إلى فهم أفضل لحالتهم ورفع مستوى الوعي بشأن أثر النزاعات في جميع أنحاء البلاد.

بدأت قصة كينو أغاروال، الزميلة في برنامج كايسيد للزمالة، ورئيس منظمة  "Sanskar Bharti Chandni Chowk"  التي ترمي إلى النهوض بالثقافات والفنون والآداب الهندية- والتي قادت حملة استجابة سلمية لمناهضة الهجوم على معبد هنودسي في دلهي، بعدما تمت مناقشة ساخنة بشأن قضية موقف للسيارات بين أفراد من المجتمع  الهندوسي والإسلامي، ولكن سرعان ما تصاعد الأمر وتحول إلى صراع؛ ونتيجة لذلك؛ هاجم المخربون معبد لال كوان (Lal Kuan) في  مدينة دلهي الهندية في 30 من يوينو/ حزيران 2019م؛ ما أدى إلى إتلاف التماثيل وتصاعد حدة التوتر بين المجموعتين.

 

تجمهر شباب، على طول شارع رينغ شتراسه بفيينا، تحت المظلات في وقفة حراسة ليلًا ونهارًا يراقبون صور الناجين من الهولوكوست. إذْ هاجمَ مخربون النصبَ الفنّي الذي أقامه الفنّان الألماني الإيطالي لويجي توسكانو، تحت عنوان "كي لا ننسى"، وتكرر الهجومُ ثلاث مرّات منذ افتتاحه قبل ثلاثة أسابيع، مخلّفين وراءهم آثار صلبانَ معقوفةٍ، وشتائمَ عنصريةٍ، وثقوبٍ وشقوقٍ غائرةٍ بالسكاكين.


قبل انعقاد مؤتمر قرطبة عام 2019م، جمع مركز الحوار العالمي (30) شابًّا وامرأة من (17) بلدًا من أجل التدريب المكثف على مهارات الحوار والتيسير، ولوضع جدول أعمال منتدى قرطبة المقبل. وقد اجتمعنا وإيَّاهم واكتشفنا ما يحفزهم وما يَعدونه القضية الأكثر إلحاحًا لجيلهم.

 

نور دياب من لبنان

زارت سعاد ونور ودعاء، وثلاثتهنَّ من مناصري المهاجرين واللاجئين، مركز الحوار العالمي لتبادل وجهات نظرهنَّ بشأن الهجرة ودور الحوار بين أتباع الأديان، فضلًا عن مناقشة كيف يمكن أن تعمل القيادات الدينية يدًا بيد مع صانعي السياسات؛ لمساعدة المقبلين الجدد على الإسهام في مجتمعاتهم الجديدة.

إذاعة كولتورهاوس بفيينا تستضيف مركز الحوار العالمي ووزارة الخارجية النمساوية وإذاعة "Ö1"

إذاعة كولتورهاوس بفيينا تستضيف مركز الحوار العالمي ووزارة الخارجية النمساوية وإذاعة "Ö1"

 

The referenced media source is missing and needs to be re-embedded.

 

 

إن الحوار بين أتباع الأديان أكثر بكثير من كونه مجرد محادثة أو مناظرة أو مناقشة، فهو أداة مهمة للدبلوماسية الوقائية وبناء السلام وحل الصراعات، وهو أيضًا ذو قيمة لصانعي السياسات والقيادات الدينية والمجتمع المدني. وعند إجرائه بالطريقة الصحيحة، مع خبراء التيسير، يمكنه أن يشفي الصدمات النفسية والعاطفية. وفي الوقت ذاته، قد يكون الحوار بين أتباع الأديان صعبًا ومحفوفًا بالمخاطر، بل وقد يكون خطيرًا جدًّا أحيانًا، ويتطلب أداءَ المهارات والخبرات بأسلوب صحيح.
 

كانت هذه النتائج بعضًا ممَّا توصل إليه اللقاء العام الذي أقيم بالأمس في مبنى إذاعة كولتورهاوس، وهو مبنى تراثي في فيينا، حيث استضافت الإذاعة أمسية حوارية بالاشتراك مع الإذاعة الوطنية النمساوية (Ö1). ونظم هذا اللقاء مركز الحوار العالمي بالتعاون مع وزارة الثقافة النمساوية، والوزارة الاتحادية النمساوية للشؤون الأوروبية والخارجية والاندماج، والفاتيكان، ووزارة خارجية المملكة العربية السعودية، ووزارة الخارجية والتعاون الإسبانية، ممثلين عن مجلس الأطراف التابع للمركز.

ولقد شارك في استكشاف عمل مركز الحوار العالمي، الذي يُنفَّذ في شتى أنحاء العالم منذ أن أُسس قبل خمس سنوات، الدبلوماسيون ووسائل الإعلام وقادة الطوائف الدينية وممثلو المجتمع المدني والمهتمون من أفراد الجمهور في المدينة المضيفة للمركز، فيينا بالنمسا.

وقال الأمين العام لمركز الحوار العالمي فيصل بن معمر في كلمته الافتتاحية:

"إننا نعمل دون فتور على توحيد الناس ليواجهوا بجرأة من يستخدم العنف باسم الدين. وإن ما يزيد على خمسة مليارات إنسان على ظهر هذا الكوكب هم متدينون، وعلى هذا فإن لقياداتهم الدينية تأثير هائل في عالمنا. وسواء أكنا نريد إنهاء الحرب، أم تعزيز حقوق الإنسان، أم تخفيف الفقر، أم منع التمييز، فنحن بحاجة إلى أن تكون القيادات الدينية جزءًا لا يتجزأ من الحل. وعليه، فنحن نحاول في مختلف أنحاء العالم أن نجمع القيادات الدينية في حوار فيما بينها، ومع صانعي السياسات. وإنه من غير الممكن التوصل إلى سلام فيما بين الثقافات والأمم دون حوار وسلام بين أتباع الأديان".

أعرب الأمين العام كذلك عن جزيل شكر المركز لشعب النمسا قاطبة، وعن أمله في أن يسهم عمل المركز في تحسين سمعة فيينا التي تستحقها بجدارة بوصفها موطنًا للحوار.

وقد علم الجمهور من ممثلي النمسا والفاتيكان والمملكة العربية السعودية وإسبانيا بالمبادرات التي أدت إلى أن أُسس مركز الحوار العالمي، وهو منظمة دولية متعددة الأطراف تُناط بها مهمة فريدة من نوعها.

تحدثت تيريزا إندجين، وهي المدير العام لقسم العلاقات الثقافية الدولية بالوزارة الاتحادية النمساوية للشؤون الأوروبية والدولية، بفخر عن كون مقر المركز في النمسا قائلة: "إن النمسا، وخصوصًا مدينة فيينا، لها تاريخ حافل باستضافة المنظمات الدولية. إنها مكان للحوار، والحوار لا بد أن يكون على الدوام جزءًا لا يتجزأ من الدبلوماسية. والحوار طريقة رقيقة جدًّا للتواصل، وعندما يُفعَّل بطريقة صحيحة سيجلب التغيير والفهم، بل ويمكن أن يشفي الجراح. باختصار، إن هذا جوهر مهمة مركز الحوار العالمي، فهو يعمل على سد الفجوات في جهود بناء السلام الدولي. ولهذا السبب يفخر النمساويون باستضافة المركز".

ومن الدكتور خالد الجندان، سفير المملكة العربية السعودية لدى النمسا، علم الجمهور بالاجتماع التاريخي عام 2007 الذي جمع خادم الحرمين الشريفين، الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، والبابا بنيديكت السادس عشر، ورؤيتهما المشتركة لمستقبل أفضل للناس كلهم. وقد أدى هذا الاجتماع إلى تأسيس مركز الحوار العالمي "كايسيد" بدعم من النمسا وإسبانيا والمجتمع الدولي.

ثم بيَّن الأسقف ميغيل أيوسو، أمين المجلس البابوي للحوار بين أتباع الأديان وعضو مجلس إدارة مركز الحوار العالمي، وجهة نظر الفاتيكان قائلًا: "لقد شعر البابا بنيديكت السادس عشر رئيس الكنيسة الكاثوليكية في قرارة نفسه بضرورة القيام بشيء ما استجابة (لدعوة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز إلى التعاون). ولذلك، دعم المبادرة وخوَّل المجلس البابوي للحوار بين أتباع الأديان بدء الحوار من أجل إنشاء المركز. ورأى الفاتيكان في مركز الحوار العالمي مبادرة أخرى تتسق مع الرؤية التي تريدها الكنيسة للبشرية جمعاء: حوار بناء لأي شخص، وفي أي مكان، وفي أي وقت. حوار مفتوح للجميع، وحوار شامل يقوم على الاحترام والصداقة".

وبالنيابة عن إسبانيا، وصفت السيدة بيلين ألفارو هيرنانديز، سفير الحوار بين أتباع الأديان وسفير مملكة إسبانيا لدى دولة قطر، الفوائد التي قد تجنيها الأمم من عمل مركز الحوار العالمي بالقول: "إن الحوار بين أتباع الأديان أداة للدبلوماسية الوقائية ومنع التطرف، والحكومات لا تستطيع فعل شيء بمفردها. وإن هذا المسعى هو مسعى مشترك. وعليه، يتعين على القيادات الدينية والمنظمات الحكومية الدولية وممثلي المجتمع المدني أن يعملوا معًا بغية تحقيق هذا الهدف المشترك".

وبدوره، وصف الشيخ عبد الله مرايا من نيجيريا كيف غير الحوار حالة ولاية كادونا إلى الأفضل، فقال: "في نيجيريا، منذ عام 1988 إلى عام 2015، زُهقت آلاف الأرواح في ولاية كادونا مسقط رأسي. لكن اليوم، وبفضل تدخل مركز الحوار العالمي وشركاء آخرين، فقد قتل 20 شخصًا وحسْب منذ عام 2017 إلى هذا اليوم. واليوم، يزور رجال ذوو هُويات دينية متنوعة بعضهم بعضًا، ويُعزى هذا النجاح إلى الحوار بدرجة أساسية".

آمال المعلِّمي، من مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني في الرياض بالمملكة العربية السعودية، تحدثت عن تجربة المركز في استخدام الحوار أداة لبناء القدرات لمساعدة النساء على المشاركة بدرجة أكبر في المجتمع السعودي، وذلك لأن "النساء يمثلن نسبة 50% من السكان، وهنَّ يربين النصف الآخر"، وَفقًا لما قالت.

وأعقب هذه الأمثلة العملية حلقة نقاش قدم في أثنائها بعض أعضاء المجلس المتعدد الأديان لمركز الحوار العالمي فهمًا للتصورات المتعلقة بالحوار في تقاليدهم الدينية. ووصفت الدكتورة كيزيفينو أرام من الهند كيف أنها ترى الحوار وسيلة لربط النفس بالنعمة الإلهية؛ إذ قالت: "إن الحوار يتجاوز بكثير كونه محادثة أو عملًا مشتركًا لتحقيق غرض مشترك، إنه دعوة إلى أن نحيا أصدق صورة من صور تقاليدنا".

وقال المطران إيمانويل من فرنسا: "إن الحوار دعوة، وهو تواصل أيضًا. وعندما نستخدم كلمة حوار، فإنها تشير أيضًا إلى التواصل بين الإنسان وخالقه".

ثم وصف الحاخام ديفيد روزن الحوار بأنه: "الفرصة لمواجهة الآخر بصدق، وإشراك الآخر بأعمق مستوى لهُويته، وبذلك نتجاوز حدود الإنسان. وأما الشخص المتدين، فهو يرى الحوار تجربة دينية. هنالك شيء نقي وروحاني في المواجهة نفسها. والحوار أداة لبناء السلام؟ نعم. ولكنه أيضًا أكثر من ذلك بكثير".

وفي الختام، قال الدكتور محمد السَّمَّاك إن الحوار لا يلغي التنوع، بل يحتفي به: "إن الحوار فن البحث عن الحقيقة من وجهة نظر الآخر".