تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

من اخطأ اهذا ام ابواه؟؟

الياس حلبي

 

يتحدث الإصحاح التاسع من إنجيل  يوحنا عن شفاء  الأَعْمَى مُنْذُ وِلاَدَتِهِ، و كيف سَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ: «يَا مُعَلِّمُ، مَنْ أَخْطَأَ: هذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى»؟

ان ما يحدث اليوم من نقاش حول جائحة كورونا انما تذكرني بهذا  السؤال الذي يشغل البعض والذي على أهميته قد لا يشكل الاولوية في هذه الظروف التي تمر بها الانسانية. لقد كان جواب السيد المسيح حاسما لجهة تصويب بوصلة الحوار اذ اجاب: «لاَ هذَا أَخْطَأَ وَلاَ أَبَوَاهُ، لكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ اللهِ فِيهِ» المطلوب اليوم منا جميعا ان نرتقي إلى مستوى الحدث و ان نعمل ما هو مطلوب منا عمليا  لكي تظهر اعمال الله فينا. انها أعمال الرحمة و التعاضد الانساني الذي يتجاوز كل الحدود و الفوارق العرقية و الدينية و الاثنية والاجتماعية. المطلوب منا ان لا ننقاد الى السجالات التي تفرق و لا تشفي و تشكك و لا تبني بل ان نقتدي بالرب يسوع الذي قال "هذَا وَتَفَلَ عَلَى الأَرْضِ وَصَنَعَ مِنَ التُّفْلِ طِينًا وَطَلَى بِالطِّينِ عَيْنَيِ الأَعْمَى."

السؤال المهم هنا لماذا لم يقل له فقط ابصر لماذا تفل طيناً؟ ان هذا لهو دعوة لنا  الى العمل على تصحيح الخلل في الطبيعة من خلال اعادة ضبط نواميسها. فكما خلق الله الانسان من الطين كذلك لما اراد الرب يسوع ان يصحح هذا الخلل اعاد الكّرة. فالطب كغيره من العلوم هو غوص في نواميس الطبيعة التي ابدعها الله من اجل تصحيح الخلل الذي يطرأ بسبب من الأمراض و الكوارث الطبيعية. لقد طلب الرب من الاعمى ان يذهب و يغتسل في البركة اي ان عملية الشفاء انما هي عملية تشاركية بين الطبيب و المريض. فالطب دون الشراكة الفاعلة مع المريض من خلال قبول الإرشاد لا يؤدي إلى النتيجة المرجوة.

بناءً عليه اود ان اتوقف عند بعض النقاط الهامة:أولًا ان هذا الوباء يذكرنا اننا كلنا في مركب واحد و اننا كلنا دون استثناء خليقة الله و الى وجهه الكريم نتوجه بالصلاة و الدعاء ان يرفع عنا البلاء. والإيمان بالله خالق السماوات و الارض يجمعنا على اختلاف أدياننا.  فنحن اخوة في الإنسانية و هذا الوباء لا يميز بين جنس او عرق او دين.

الامر الثاني اننا ادركنا محدوديتنا كبشر و هشاشتنا امام خطر الموت مما يدفعنا ان نخشع امام الله الذي هو وحده الديان العادل و نتسلح  بالايمان الذي يقوينا و إرادة الخير التي تقربنا من بعضنا البعض بعيدا عن التعصب و العصبيات.

الامر الثالت اننا نشهد على نظام عالمي ينهار امام اعيننا و قد عدنا الى الاسئلة الوجودية التي طالما اعتقدنا انها اُشبعت نقاشاً و صارت من الماضي. لماذا يحصل هذا ؟ لماذا الان؟ لماذا انا؟ اين الله من كل هذا؟ و غيرها من الاسئلة التي تعبر عن القلق الانساني و الخوف من الآتي.

ان هذه الاسئلة دفعت بالكثيرين الى الالتجاء الى الدين بحثا عن اجوبة ولكن وللاسف على قاعدة من اخطأ اهذا ام ابواه حتى ولد اعمي؟؟ ان الخوف من العدو غير المنظور الذي يهدد بالموت في كل مكان وضع الكل امام امتحان الايمان و الاخطر هو انه تحول إلى امتحان لقدرة الله على اجتراع المعجزات متناسين ما جاء على لسان السيد المسيح يوم اراد الشيطان ان يجربه فرد بحزم قائلا له :"لا تجرب الرب الهك ". ان اهم ما يمكن ان نقوم به اليوم افرادا و مؤسسات دينية هو ان نحول هذا التهديد الخطير للاسس التي قامت عليها الانسانية في العصر الحديث إلى فرصة لبداية جديدة اكثر انسانية و المصالحة بين الانسان و خالقه، و الانسان و اخيه الإنسان، والانسان و الكون. ان ماقبل كورونا ليس كما بعدها على الصعد السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و كذلك على صعيد علاقة الانسان بالله و هنا يمكن ان نجد الحل.

ان المؤسسات الدينية اليوم هي امام تحدي ان تواكب هذا التغير الاتي حتماً و التحدي الاكبر هو ان تصنع هذا التغير.

للقلقين أقول لا خوف على الله اما الخوف الحقيقي فهو على الانسان حين يغيب او يُغيب وجه الله بسبب الانانيات و الاستكبار و استفحال المرض و الجوع و الموت.

المفتاح الحقيقي هو في المحبة التي تطرح الخوف بكل اشكاله جانباً و تقتحم الاخر في عمق انسانيته و هو في قمة ضعفه و عجزه و مرضه لتقول له ان الله قريب منك في داخلك و هو مصدر حياتك. لذا على مثال السيد المسيح على المؤسسات الدينية ان تتعاضد و تتساعد لتقدم الشفاء الجسدي والروحي لكل انسان لا لكي تتساءل و تسائل من اخطأ اهذا ام ابواه حتى مرض بالكورونا؟

وهذه مسؤولية كل فرد ايضاً لاننا كلنا راعٍ و كلنا مسؤول عن رعيته. لنطرح الخوف جانبا و نبحث عن السعادة بطرق جديدة تعيد وصل انسانيتنا مستغلين ثورة التكنولوجيا و عالم الاتصالات لنعود فنصنع عالماً جيداً يجمعنا حول خالقنا لتكون لنا جميعاً دون استثناء حياة و تكون.  افضل