- قصصنا
- قصصنا الحوارية
- القيادات الدينية تخطو خطوة جريئة لإحلال السلام في جمهورية إفريقيا الوسطى
القيادات الدينية تخطو خطوة جريئة لإحلال السلام في جمهورية إفريقيا الوسطى
مع استمرار الاشتباكات في جمهورية إفريقيا الوسطى، توجهت كبرى القيادات الدينية في البلاد إلى خطوط المواجهة في خطوة جريئة من أجل إحلال السلام.
وإذ يضطلع القس نيكولاس غيريكويامي غبانغو والكاردينال ديودونيه نزابالاينغا والإمام عبد الله واسيلوغ بمُهمات متعددة بوصفها جزءًا من معركتهم المستمرة بغية تحقيق المصالحة، فهم يتوسطون أيضًا بين الطرفين المتخاصمين في هذا الفصل الجديد المدمر من الصراع الطويل الأمد.
وقال الكاردينال نزابالاينغا، رئيس أساقفة بانغي: "إننا لا نحمل أسلحة، لكننا نملك سلاح الإيمان. وإذ يواجه إخوانُنا وأخواتُنا كارثة مدمرة، فلا يسعنا مشاهدة ما يحدث معروضًا على وسائل التواصل الاجتماعي وحسْبُ، بل من واجبنا أيضًا أن نستمع إلى الجميع وأن ندخل في حوار لنجد طريقًا يُخرجنا ممَّا نحن فيه".
ويأتي تدخلهم هذا وانتشارهم على طول خطوط المواجهة بعدما شن تحالف جديد من المجموعات المسلحة هجومًا عسكريًّا في شهر ديسمبر من عام 2020، مما أجبر أكثر من 200.000 شخص على الخروج من ديارهم وفاقم الأزمة الإنسانية التي تعاني منها هذه الجمهورية الإفريقية. وقد اندلعت الاضطرابات قبل وقت قصير من بدء الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي أشعل المعارك بين هذا التحالف المتمرد من جهة والقوات الموالية للحكومة من جهة أخرى. وفي حين تجعل الاضطرابات الكثيرين بحاجة ماسة إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى والمرافق الصحية، تحذر منظمات الإغاثة من تصاعد الهجمات على المدنيين والعنف الجنسي وتجنيد الأطفال.
وفي خضم هذا الاضطراب، عملت مجموعة تضم أتباع أديان متنوعة تدعى منصة تعزيز الحوار بين أتباع الأديان في جمهورية إفريقيا الوسطى (PCRC) على تعزيز الحل السلمي بالاعتماد على الثقة الكبيرة بقياداتها الدينية، ومنها الكاردينال والإمام والقس. وبدعم من مركز الحوار العالمي "كايسيد"، دعت المجموعة إلى التحلي بالهدوء عبر البث الإعلامي والمقابلات الصحفية أو حين التحدث الفوري إلى الحكومة والمجموعات المسلحة.
وقال الإمام واسيلوغ: "نحن ندعو الجميع إلى اختيار الحوار والتشاور بدلًا من العنف والكراهية التي تنتشر انتشار النار في الهشيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي".
منح الأمل للمدنيين المشردين
وإلى جانب هذا العمل المهم في مجال المناصرة، ترك القادة الدينيون الثلاثة العاصمة بانغي -الآمنة نسبيًّا- وتوجهوا إلى قلب مناطق التمرد المضطربة، وذلك من أجل منح الأمل للمدنيين المشردين ومعاينة الحالة الأمنية على أرض الواقع بأنفسهم ولقاء مجموعات المتمردين في الوقت الذي يناصرون فيه التسوية السلمية.
وأضاف فيرالين مينديندي موباكا، مسؤول البرامج المحلية في مركز الحوار العالمي: "نظرًا إلى ثقة المجتمعات المحلية بقياداتها الدينية، فلهذه القيادات القدرة على إقناع الأطراف المتنازعة جميعِها بالجلوس إلى طاولة الحوار لمناقشة المشكلات التي دبَّت الفرقة والبغضاء والعداوة بينها".
وفي وقت سابق من هذا الشهر، توجه الكاردينال والإمام والقس أولًا إلى مدينة بوار Bouar بصحبة بوريس يعقوب، الخبير المحلي لمركز الحوار العالمي في جمهورية إفريقيا الوسطى. وتقع هذه المدينة الحيوية الغربية على طريق رئيس يؤدي إلى العاصمة بانغي التي حاصرها المتمردون، موقفين بحصارهم هذا جميع واردات المعونة والغذاء من الكاميرون وجاعلين ارتفاع الأسعار يُثقل كاهل السكان الفقراء.
وفي 8 من فبراير هذا العام، التقى الثلاثة بالقيادات الدينية ورؤساء المنظمات غير الحكومية وأعضاء المجتمع المدني والصحفيين ومندوبي مخيمات المشردين الذين شرحوا ما يحتاجون إليه وما يعانون منه. وبعد ذلك، حضروا حدثًا للتماسك الاجتماعي في مقاطعة تضم المتمردين.
وقال يعقوب مبديًا رأيه بما شاهده: "لقد كان حدثًا كبيرًا منح الكثير من الأمل وأعاد الحياة إلى الأرجاء، ثم إنهم اغتنموا الفرصة لإرسال رسائل التضامن والاطمئنان والأمل".
وفي مساء ذلك اليوم أيضًا، نُظم اجتماعٌ في كاتدرائية بوار أوضحت السلطات المحلية فيه الخطر الذي تمثله المجموعات المسلحة. وفي اليوم اللاحق، زار القادة خمسة مواقع تؤوي المشردين داخليًّا.
وقال القس غيريكويامي غبانغو واصفًا حال الناس الذين التقى بهم: "هؤلاء الناس معرضون للجوع والبرد والظروف غير الصحية، وقد التقيت بست نساء أنجبن أطفالًا قبل أقل من شهر".
وبينما كان الكاردينال والإمام والقس يعتزمون لقاء المتمردين، أدت التطورات العسكرية إلى انسحاب المجموعات المسلحة من المدينة قبل وصولهم بقليل.
وقال الكاردينال نزابالاينغا يصف ما جرى: "نتيجة لعدم قدرتهم على الحضور ومقابلتنا، اتصلنا بهم هاتفيًّا ثلاث مرات لنبقى على مقربة منهم ولنقول لهم إننا لم ننسَهم وإنهم أولادنا. ومن واجبنا أيضًا مواصلة الاتصال بالمتمردين، لأن من حمَل السلاح لم يحمله إلا لأن لديه شكاوى وغضب ومطالب محقَّة".
دعوات إلى نبذ العنف
وفي وقت لاحق من ذلك الأسبوع، اتجهت فرقة العمل الدينية هذه شرقًا لتبذل جهود وساطة مماثلة في بانغاسو، وهي بلدة على الحدود مع جمهورية الكونغو الديمقراطية أجبر هجوم المتمردين عليها العديد من سكانها على عبور نهر مبومو Mbomou للنجاة بحياتهم.
وزار الفريق الثلاثي -برفقة يعقوب مرة أخرى- المشردين والتقى بالحاكم الإقليمي وعمدة البلدة ومسؤولي حفظ السلام التابعين للأمم المتحدة. وفي أثناء اللقاء، أُثيرت مجموعة من الشواغل، منها أمن السكان وتدمير المباني وتعطيل التعليم وعدم كفاية الإمدادات من الموارد.
وتحدث الإمام واسيلوغ، الذي عُين ليحل محل الإمام الراحل عمر كوبين لاياما: "إن مُهمتنا هي الوقوف إلى جانب الآلاف من المشردين ومواساتهم ودعمهم والصلاة من أجلهم". وأضاف: "ونحن نجتمع بالسلطات الدينية ونستمع إليها وندعم جهودها الرامية إلى تقديم الدعم المعنوي والمادي والروحي، فضلًا عن أننا نلتقي بقيادات المجموعات المسلحة في الميدان ونطالب بنبذ العنف".
وإضافة إلى الاجتماع بالسلطات والمدنيين المشردين، تمكن القادة الثلاثة أيضًا من عقد لقاء بين جمهور عريض والمتمردين.
وقال الكاردينال نزابالاينغا: "لقد تحدثنا باستفاضة إلى المتمردين لنزع فتيل الشك والخوف والعنف، ثم أخبرناهم بأن مسؤولية حماية السكان والحد من العنف ومنح السلام فرصة ليسود في المجتمع تقع على عاتقهم". وإذ إن الحوار والعفو عند المقدرة أمران أساسيان، تابع الكاردينال قائلًا: "لا ينبغي لنا أن نرفض [المتمردين]، بل علينا أن نظهر لهم محبتنا مثل الآباء المحبين. ومع أني أُدين أفعالهم، ما يزالون جميعًا بمنزلة أبنائي وهم قادرون على إحداث التغيير المنشود".
القيادات الدينية وسطاء محايدين
ومن المقرر في الأيام المقبلة إيفاد بعثتين أُخريَين إلى مدينتي بامباري وبريا، بصرف النظر عن تأجيل هاتين الرحلتين نتيجة القتال المستمر.
وإذ إن للدين تأثيرًا قويًّا في جمهورية إفريقيا الوسطى، مُنحت هذه القيادات سلطة كبيرة وكان وضعها مغايرًا لوضع الوسطاء الآخرين. ووَفقًا لما ذكره يعقوب، فإن أكثر من 95% من السكان في هذه الجمهورية يتبعون دينًا ما من الأديان. وأوضح أيضًا أنه "بالنظر إلى الاختلافات السياسية بين الحكومة والمجموعات المتمردة، فإن القيادات الدينية هي الوحيد القادر على التحدث إلى المتحاربين والدعوة إلى حفظ أمن السكان؛ إذ إنها تحافظ دائمًا على حيادها واستقلالها ولا تنحاز إلى طرف على حساب طرف آخر وتعد ناطقةً باسم الله عز وجل، وهذه أمور تجعلها مختلفة عن غيرها من الوسطاء".
وفي عام 2013، كان يُنظر إلى الحرب الأهلية في جمهورية إفريقيا الوسطى على أنها طائفية كليًّا، مما أفضى إلى تحريض المسيحيين على قتال المسلمين. ومع ذلك، بدأت الفصائل المتحالفة ينقلب بعضُها على بعض لتكشف الانطباع الزائف بأن هذه الحرب هي "حرب دينية". وفي الأسابيع القليلة الماضية، أصبحت دور العبادة ملجأ بالغ الأهمية لكل من المدنيين المسيحيين والمسلمين الذين بات بعضُهم يسكن مع بعض.
ففي بانغاسو، مثلًا، لجأ قرابة 500 مسلم ومسيحي إلى الكنائس الكاثوليكية. وفي غريماري الواقعة غربًا، أُفيد بأن نحوًا من 1500 مسلم ومسيحي قد سكنوا الكنائس.
وقال الكاردينال نزابالاينغا متحدثًا بهذه القضية: "لقد كان بوسعهم المبيت في قاعات المدينة، لكنهم ذهبوا إلى الكنائس بدلًا من ذلك لأن الله عز وجل في نظرهم هو المعين والملجأ والناصر والسند الذي لا يغيب حين يحتاجه عباده المستضعَفون".
وفي الوقت الحالي، ومع أن الحكومة قد حققت سلسلة من الانتصارات في ميدان المعركة، ما يزال مستقبل الجمهورية غامضًا إلى حد كبير، وما تزال كذلك مُهمة القيادات الدينية شاقة جدًّا، لكنها تلهمهم توحيد بلدهم الذي مزقته الحروب المستمرة.
وختم القس غيريكويامي غبانغو الحديث بقوله: "لمَّا كان الدين الإطار الوحيد الذي يجمع الناس من مختلِف الآراء السياسية والفكرية والاجتماعية معًا، كان لزامًا علينا تهيئة بيئة آمنة للجميع".