في حقبة تميزت بتزايد التحديات العالمية والانقسامات المجتمعية، قدَّم المنتدى الأوروبي الخامس للحوار بشأن سياسات اللاجئين والمهاجرين (EPDF)، الذي اختُتم حديثًا في روتردام بهولندا، لوحة حيَّة للوحدة تعزز الانتماء والحوار. واستمرت هذه الفعالية التاريخية، التي نظمها مركز الحوار العالمي - كايسيد، ثلاثة أيام من 13 إلى 15 من نوفمبر وكسرت الحواجز بالجمع بين ممثلي سبع ديانات ومجموعة شباب نابضة بالحياة وصانعي السياسات الرئيسيين بعدد وصل إلى 130 مشاركًا.
وحظي شعار المنتدى «إلهام، تواصل، إشراك»، باهتمام بالغ في جميع جلسات المنتدى وحلقات النقاش وتجلى في ثلاث ورقات مدخلات محفزة للتفكير كانت نواة المناقشات. وكانت هذه الجلسات، المشبعة بروح التعاون، ثمرة جهد تعاوني شارك فيه كلٌّ من المجلس الأوروبي للقيادات الدينية التابع لمنظمة أديان من أجل السلام في أوروبا (ECRL/RfP) وشبكة الحوار المدعومة من كايسيد ومنظمة الأديان المتعددة الألوان في روتردام ومكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان (ODIHR) التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) والمنظمة الدولية للهجرة (IOM) في هولندا.
وكان الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عامًا هم الجزء الأكبر من الحاضرين بنسبة وصلت إلى 33%، ممَّا يؤكد التزام المنتدى بتمكين الشباب بوصفهم عناصر للاندماج الاجتماعي في أوروبا. وقد أبرز هذا التمثيل السكاني الحاجة الملحة إلى التصدي للتحديات المتعددة الأوجه التي تواجه الشباب اليوم، ومنها الصراعات وأزمات المناخ وعدم الاستقرار الاقتصادي. والجدير بالذكر أن المنتدى سلط الضوء أيضًا على المد المتزايد لخطاب الكراهية وتأثيره المدمر في التماسك الاجتماعي.
وأوضح الدكتور زهير الحارثي، الأمين العام لمركز الحوار العالمي - كايسيد، في كلمته هدف المنتدى وشدد على الدور المحوري للحوار في رأب الانقسامات وتوطيد التفاهم بين المجموعات المتنوعة وأكد كذلك أهمية المدن والتخطيط الحضري في تيسير مشاركة المجتمع والحلول المتوازنة.
وفي كلمته الرئيسة في الجلسة العامة الافتتاحية للمنتدى، أكد صاحب النيافة المطران إيمانويل أداماكيس، كبير أساقفة مجمع خلقيدونية، أهمية التضامن النشط في حماية المهاجرين واللاجئين بدلًا من مجرد التسامح السلبي وسلط الضوء أيضًا على حاجة أتباع الأديان إلى إظهار المزيد من الشجاعة والنزاهة من أجل بناء مجتمعات دينية تسعى إلى القضاء على الكراهية.
وتطرق الإمام يحيى بالافيتشيني، رئيس المجلس الأوروبي للقيادات الإسلامية (EuLeMa)، في كلمته في المنتدى إلى الحديث عن رحلة التحول الحاسمة وأكد الحاجة إلى مواجهة التحديات بتجاوز ضيق الأفق الذي يحبس الأفراد داخل هُويات مصطنعة، التي غالبًا ما تكون بعيدة عن الواقع.
وتمحور برنامج المنتدى حول ثلاثة موضوعات رئيسة يتماشى كلٌّ منها مع ورقة مدخلات محفزة للتفكير: «كلمات تضمد الجراح» و«مدن تعزز الانتماء» و«القيادة في العمل». واستكشفت هذه الموضوعات قوة الحوار في مكافحة خطاب الكراهية ودور المساحات الحضرية في خلق الشمولية وأبرزت أهمية إشراك القيادات الشبابية في عمليات صنع القرار.
وعرض السيد محمد شحادات، مدير مبادرة الشباب من أجل السلام في سويسرا، في كلمته أفكارًا مهمة عن دور الشباب في إيجاد مستقبل أفضل وأوضح أن الشباب يمكنهم حقًّا إحداث فرق والإسهام في بناء مستقبل أكثر إشراقًا لكل من أنفسهم والآخرين عندما تتاح لهم الفرص ويشارك بنشاط في هذا المسعى صانعو القرار والشركاء.
وشدد كبير الحاخامات شلومو هوفمايستر، حاخام المجتمع المحلي في فيينا وعضو مجلس إدارة المجلس الإسلامي اليهودي في أوروبا (MJLC)، في كلمته في المنتدى على أهمية التعاون بين القيادات الدينية في أوروبا وأعرب عن قلقه بشأن الاستقطاب المتزايد على منصات التواصل الاجتماعي، إذ غالبًا ما تلقي الآراء هناك بظلالها على الحقائق مؤدية بذلك إلى انقسامات مجتمعية.
وأُسدلت الستائر على المنتدى الأوروبي الخامس للحوار بشأن سياسات اللاجئين والمهاجرين الذي ترك وراءه إرثًا من الوعي المتزايد وخارطة طريق لتغيير ملموس في المدن والمجتمعات الأوروبية وكان شهادة على قوة الجهود الجماعية في بناء مجتمعات أكثر شمولًا وتماسًكا في المدن الأوروبية، الأمر الذي يعد سابقة للحوارات والتعاون في المستقبل.
ولا يزال المنتدى الأوروبي للحوار بشأن سياسات اللاجئين والمهاجرين منارة للجهات الفاعلة الدينية وصانعي السياسات والخبراء الذين يدعمون الحوار بين أتباع الأديان والثقافات بوصفه أداة حيوية لمعالجة الانقسامات الحالية في أوروبا وترسيخ التماسك الاجتماعي. ولم يعكس نجاح المنتدى في روتردام إنجازاته السابقة فحسب، بل إنه أرسى الأساس للمساعي المستقبلية لتعزيز الاندماج الاجتماعي والوحدة في جميع أنحاء أوروبا أيضًا.