في عالم دائم التنوع، تفتح ممارسة الحوار طريقًا للسلام والتفاهم المتبادل. ويضطلع مركز الحوار العالمي - كايسيد -وهو منظمة حكومية دولية مشهورة بالتزامها الحوار بين أتباع مختلف التقاليد الدينية- بدور محوري في صياغة مشهد الحوار بين أتباع الأديان والثقافات داخل رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان). وبفضل شراكة كايسيد مع معهد رابطة دول جنوب شرق آسيا للسلام والمصالحة (ASEAN-IPR)، فإنه يقود مبادرة تدريبية ترمي إلى تزويد المسؤولين من جميع الدول الأعضاء في الآسيان بالمهارات اللازمة لفهم النسيج المعقَّد للأديان والثقافات داخل المنطقة.
وإن التعاون بين كايسيد ومعهد رابطة دول جنوب شرق آسيا للسلام والمصالحة ينطلق من كون دول جنوب شرق آسيا منطقة غنية بالتنوع ومليئة أيضًا بالتحديات التي تواجه السلام والاستقرار. وباعتماد كايسيد على برامجه الميدانية في جميع أنحاء إفريقيا والمنطقة العربية وأوروبا وآسيا، فإنه يواصل إظهار نفسه قوة محورية في بناء السلام وتمكين القيادات والمنظمات الرئيسة من استخدام الحوار أداة تربط بين الفئات المستهدفة من مختلف الخلفيات الدينية والثقافية. ولكون كايسيد منظمة حكومية دولية ومتميزة مع مجلس إدارة متعدد الأديان، فقد بات في وضع فريد لسد الفجوة بين السياسة والممارسة والنظرية والفعل عن طريق التواصل والحوار.
وقال معالي السفير أنطونيو دي ألميدا ريبيرو، نائب الأمين العام لمركز الحوار العالمي - كايسيد، في كلمته الافتتاحية نيابة عن الأمين العام لكايسيد الدكتور زهير الحارثي: "إن شراكة كايسيد مع معهد رابطة دول جنوب شرق آسيا للسلام والمصالحة هي شهادة على التزامنا بناء الجسور بين صانعي السياسات والمجتمعات المحلية. وبتعزيز التفاهم المشترك واحترام التنوع الديني والثقافي، يعمل كايسيد على تمكين مسؤولي رابطة دول جنوب شرق آسيا من صياغة سياسات تدعم التماسك الاجتماعي والسلام داخل المنطقة، وإننا نساعدهم على ترسيخ جذور السلام والاعتدال والتسامح وبناء مستقبل ينتصر فيه الحوار على الخلاف".
وتشمل المبادرة وضع وحدات تدريبية مصمَّمة خصيصًا للسياق الفريد لمنطقة رابطة دول جنوب شرق آسيا بالاستعانة بالخبرة الموجودة لدى كايسيد في مجال الحوار بين أتباع الأديان والثقافات. وقد صُممت هذه الوحدات بحيث تكون تفاعلية وعملية مع التركيز على التنفيذ العملي، بما يكفل ألا يكون المشاركون متلقين للمعرفة فحسب، بل قادرين على الإسهام بنشاط في عملية التعلم أيضًا اعتمادًا على تجاربهم وخبراتهم، ويتحقق ذلك عبر مزيج من المحاضرات والمناقشات والمحاكاة والأدوار والمهام الجماعية التي تشجع على إعمال الحوار بين أتباع الأديان والثقافات في حل الخلافات على أرض الواقع. ويرمي هذا النهج إلى تلبية الاحتياجات الفريدة للمسؤولين الحكوميين في مجالي التنمية المهنية والتعلم، الذين يتزايد إدراكهم للحاجة إلى الحوار بين أتباع الأديان والثقافات في مجتمعاتهم الخاصة.
وبفضل هذا النهج التفاعلي المميز، سيجمع كايسيد خبراته مع خبرات كبار الخبراء الإقليميين الذين يدمجون الرؤى العالمية للمركز مع الخبرات الإقليمية والاحتياجات السياقية لجنوب شرق آسيا. ويستهدف البرنامج مسؤولين مبتدئين إلى متوسطي المستوى من الدول الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا، مع التركيز على منهج يبرز قيمة الحوار في حل النزاعات وتعزيز التماسك الاجتماعي. وإذ يعد تعزيز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات جوهر عمل كايسيد، فإن هذه الوحدات ستستكشف تاريخ الحوار ونظرياته وأساليبه ونتائجه، مع تأكيد دوره في تحويل النزاعات وبناء السلام.
وزيادة على ذلك، فإن التعاون بين كايسيد ومعهد رابطة دول جنوب شرق آسيا للسلام والمصالحة يبرز أهمية الترابط الشبكي، إذ تعمل الشراكة مع كايسيد محفزًا لمشاركة آسيان على نطاق أوسع في المبادرات الإقليمية والعالمية. ويمتد التدريب إلى ما هو أبعد من النطاق المباشر لرابطة دول جنوب شرق آسيا، مع إمكانية التأثير في طيف أوسع من الشركاء، من مراكز الفكر إلى مجموعات المجتمع المدني، ممَّا يعزز الأثر المضاعف للحوار والتفاهم.
ويتماشى هذا التدريب مع الالتزام الطويل الأمد لمعهد رابطة دول جنوب شرق آسيا للسلام والمصالحة بالسلام والاستقرار، على النحو المنصوص عليه في إعلان بانكوك. وهو يستند أيضًا إلى المسؤولية التي يضطلع بها المعهد في البحث وبناء القدرات ونشر المعلومات عن السلام وإدارة الصراعات وحلها. وتُبرز المبادرة كذلك الدور الحاسم للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في بناء السلام، وهو أمر لا يزال يتعين إدراجه بالكامل في تدريب المسؤولين الحكوميين.
وبجانب ما سبق، فإنه من المقرر أن يتوَّج التدريب بجلسة تجريبية وساحة اختبار للوحدات الموضوعة ومساحة لمزيد من الصقل بناءً على آراء المشاركين. وسيكون هذا المشروع التجريبي خطوة حاسمة نحو إضفاء الطابع المؤسسي على التدريب ضمن عروض المعهد، ممَّا قد يمثل تحولًا كبيرًا في كيفية تعامل المسؤولين في جميع أنحاء المنطقة مع تشعبات الدين والثقافة.
ولا يقتصر دور كايسيد على دور المعلم فحسب، بل إنه يشمل أيضًا دور العامل التمكيني الذي يقدم التمويل والدعم التقني للمبادرة الرامية إلى دعم معهد رابطة دول جنوب شرق آسيا للسلام والمصالحة. وإن التنمية الاقتصادية والاجتماعية السريعة في جنوب شرق آسيا تخلق تحديات جديدة تمثلها أوجه التنافر بين التقاليد والابتكار. ولهذا السبب، فإن الفهم الدقيق للتنوع الثقافي والديني الذي لا مثيل له في المنطقة هو حجر الزاوية في هذه المبادرة المشتركة وإن هذا التعاون بين كايسيد والمعهد يسمح لهما بوضع معيار جديد لإشراك الحكمة التقليدية المستمدة من التنوع الثقافي والديني بكل حرص واحترام في إحدى أكثر المناطق شبابًا وحيوية وتنوعًا في العالم.