مع تزايد عدد السكان البالغ 12 مليون نسمة، تعد رواندا -وهي دولة صغيرة غير ساحلية في شرق إفريقيا- من أكثر الدول كثافة سكانية في القارة الإفريقية.
ومنذ الإبادة الجماعية عام 1994، أحرزت رواندا تقدمًا ملحوظًا في الحد من الفقر واتخذت خطوات نحو المساواة بين الرجال والنساء وحققت قفزات نوعية في الاستدامة البيئية وإنتاج الغذاء والتعليم والصحة العامة.
ومع ذلك، ووفقًا لبرنامج الغذاء العالمي، ما يزال 38.2% من السكان يعيشون تحت خط الفقر وقرابة الخمس يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
وبعد أن أدرك كلٌّ من كايسيد ومعهد الموارد العالمية (WRI) هذه الفرص والتحديات، أطلقا مشروعًا تعاونيًّا لبحث السبل التي يمكن بها لمنظمات القيم الدينية والقيادات الدينية تعزيز التغذية ومعالجة فقدان الغذاء في رواندا.
وتعد تحديات سوء التغذية والجوع وهدر الطعام من بين أهم التحديات التي تواجهها الدول الإفريقية مثل رواندا.
ولا يزال مئات الملايين من الناس يعانون من الجوع. وإذ تستخدم الزراعة قرابة نصف الأراضي النباتية في العالم، يولد إنتاج الغذاء ربع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية. وزيادة على ذلك، يُفقد أو يُهدر ما يقدر بنحو 2.5 مليار طن من الغذاء كل عام.
وتتمثل شدة هذه التحديات في العواقب المتفاقمة لتغير المناخ، الذي يؤثر فعلًا في الزراعة ويخفض غلة المحاصيل ويهدد النظم الغذائية الوطنية والعالمية، ولا سيَّما في المناطق الحارة مثل شرق إفريقيا، ومن المتوقع أن تتضاعف هذه المؤشرات مستقبلًا.
وكان الاتحاد الإفريقي قد أعلن عام 2022 سنة التغذية تحت شعار "تعزيز المرونة في التغذية والأمن الغذائي في القارة الإفريقية".
وتقديرًا للطبيعة المعقَّدة لقضايا الغذاء والتغذية، يستخدم كلٌّ من كايسيد ومعهد الموارد العالمية نهجًا متعدد الجوانب يشمل مختلف الشركاء في هذه العملية.
وإلى جانب الغذاء الذي تقدمه مؤسساتهما ووكالات الإغاثة الخاصة بهما، ينطوي المشروع أيضًا على تشجيع الممارسات الزراعية الواعدة -ومنها استصلاح الأراضي المتدهورة- ودعم التغييرات الثقافية والمجتمعية بين أتباعهما بما يتماشى مع الممارسات المستدامة وتيسير الحوار بين أتباع الأديان من أجل بناء السلام والمصالحة.
ومن مجالات التدخل الحاسمة لمعالجة سوء التغذية والجوع تقليل كمية الأغذية المفقودة في سلسلة التوريد أو التي يهدرها المستهلكون.
ويقدر البنك الدولي أن رواندا تخسر أو تهدر 40% من إجمالي إنتاج الغذاء كل عام، وهذا يمثل 21% من مجموع الأراضي المستخدمة و16% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وخسارة 12% من إجمالي الناتج المحلي السنوي لرواندا. وعلاوة على ذلك، بيَّن تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 2021 بشأن هدر الغذاء أن نصيب الفرد من هدر الغذاء متشابه إلى حد كبير في البلدان ذات الدخل المرتفع والمنخفض، ممَّا يشير إلى أهمية معالجة كل من فقد الأغذية وهدرها في رواندا.
وأوضح مدير برامج كايسيد أغوستين نونيز أن ضمان عدم فقد الأغذية في المخازن أو المنازل هو أحد الأساليب الدقيقة -ولكن المهمة- التي تمكن الأفراد والعائلات والمجتمعات من إحداث تأثير فوري في الجوع والتغذية والقضايا المتعلقة بالبيئة.
وقال نونيز إن الهدف الرئيس للمشروع هو فهم القيمة المضافة لإشراك الجهات الفاعلة الدينية في منع فقد الأغذية، وذلك نظرًا إلى قدرتها على التواصل مع أتباعها والثقة التي تتمتع بها داخل مجتمعاتها الدينية.
وأضاف نونيز قائلًا: "وإلى جانب ذلك، لدينا رؤية مثيرة لإعداد نهج قائم على الأدلة لفهم كيفية تأثير الجهات الفاعلة الدينية في التغيير السلوكي يمكن أن يسري على أي موضوع محدد". وسيكون المشروع هو الأول من نوعه الذي يجري هذا البحث.
ولكون القيادات الدينية في إفريقيا تتمتع بتأثير كبير بالممارسات الغذائية والزراعية اليومية، تولت سابقًا مسؤولية التصدي لمسألة التغذية عبر تشجيع ممارسات مثل الرضاعة الطبيعية. وعلى سبيل المثال، كانت القيادات الدينية في الماضي حاسمة في تشجيع الأمهات الجدد على إرضاع أطفالهنَّ، وبهذه الطريقة حسَّنت التغذية الشاملة للمواليد الجدد.
فضلًا عن ذلك، ونظرًا إلى أن الصراعات داخل إفريقيا ما تزال أحد أهم دوافع الجوع وسوء التغذية، فإن القيادات الدينية تضطلع بدور محوري في تعزيز الحوار والوساطة من أجل السلام، ممَّا يعزز بالنتيجة الأمن الغذائي ويخفف شح الموارد، وهما عاملان من العوامل التي كثيرًا ما تفضي إلى الصراع.
ويرجو نونيز أن يعالج هذا المشروع قضايا كهذه ويؤمن طرائق سهلة وغير مكلفة للروانديين من جميع الأجناس والأعراق لتقليل الهدر وزيادة الأمن الغذائي.
وإذ تشارك المجموعات الدينية فعلًا في شتى الجهود الرامية إلى زيادة الرفاه الاجتماعي والبيئي في المنطقة، أظهر استطلاع أجرته مؤسسة غالوب عام 2008 أن 82% من سكان البلدان الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى ادَّعوا أنهم يثقون بمنظمات القيم الدينية أكثر من ثقتهم بالمؤسسات المجتمعية الأخرى.
وختم نونيز حديثه قائلًا: "إن منظمات القيم الدينية في وضع خاص يسمح لها بتوعية مجتمعاتها بأهمية مجموعة متنوعة من القضايا نظرًا إلى قدرتها على التواصل مع أتباعها والثقة التي تتمتع بها".
وبناء على البيانات التي جُمعت، سيوصي التقرير النهائي بقائمة من التدخلات المقترحة لزيادة قدرة الجهات الفاعلة الدينية على تعزيز التغذية، فضلًا عن الأساليب المستقبلية التي يمكن للاتحاد الإفريقي والدول الأعضاء فيه والمجتمع الدولي أن يتعامل عبرها بطريقة أفضل مع منظمات القيم الدينية في الموضوعات المتعلقة بالأغذية.
وأكد جيمس وانغو، وهو خبير تحويل النظم الغذائية في معهد الموارد العالمية في إفريقيا، أن انعدام الأمن الغذائي لا يزال أحد أكبر التحديات التي تواجهها مجتمعات البلدان الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى.
وقال وانغو: "من المعروف أن منظمات القيم الدينية لها حضور قوي في هذه المجتمعات، ليس لأنها تضطلع بدور روحي فحسب، بل لأن لها دورًا إنمائيًّا يتمثل في مساعدة المجتمعات على بناء رأس المال الاجتماعي والاقتصادي أيضًا. وفي رواندا، ستضطلع هذه المنظمات بدور مهم في تحويل النظم الغذائية المحلية، وبخاصة عندما تدعم اعتماد أنظمة غذائية دائرية تعد أساسية لمعالجة الجوع وسوء التغذية وتنفيذها".
وإن التركيز على الغذاء هو إحدى الوسائل التي يسعى بها كايسيد إلى معالجة القضايا البيئية على نطاق أوسع.
ووفقًا لما قاله ديفيد كابيتشي، مدير إدارة البرامج في كايسيد، فإن شدة التدهور البيئي مستمرة. وأضاف قائلًا: "لذلك فمن الأهمية بمكان إشراك أكبر عدد ممكن من الجهات الفاعلة في مواجهة هذا التحدي معًا، ونحن في كايسيد ندرك الدور الهائل الذي يمكن أن تضطلع به الجهات الفاعلة الدينية المحتملة في معالجة هذه القضية". وختم قائلًا: "إن كايسيد وشركاءه المحليين يتوقون إلى إشراك مجموعة متنوعة من الشركاء الدينيين والحكوميين والقطاع الخاص والمجتمع المدني في هذا البحث في العام المقبل".