احتفالًا باليوم الدولي للسلام هذا العام، أكد فريق خبراء من القيادات الدينية في مجالي الثقافة وبناء السلام اليوم أهمية الحوار بين أتباع الأديان في تحقيق مستقبل أكثر إنصافًا واستدامة.
وفي 21 من سبتمبر 2021، سوف يدعو المحتفلون باليوم الدولي للسلام إلى عالم خالٍ من الحروب والصراعات. وفي حين بدأت تخف حدة تفشي الجائحة العالمية وسكان الأرض باتوا يتطلعون إلى حقبة ما بعد"كوفيد-19"، فإن رسالة الوئام هذه لها صدى خاص.
وعلى مدى الشهور الثمانية عشر الماضية، كانت أكثر المجتمعات ضعفًا هي من عانى أشد المعاناة من وطأة تفشي الجائحة. ونظرًا إلى عدم تكافؤ فرص تحصيل الرعاية الصحية، فقد كانت هذه المجتمعات الأقلَّ حماية من الإصابة بالفيروس وأثَّر فيها تصاعد خطاب الكراهية والتمييز تأثيرًا غير متناسب، وممَّا زاد الطين بِلَّة أيضًا أن النزعة القومية والاستبدادية والتعصب على مستوى العالم قد ازدادت سوءًا.
ولأن هذه النتائج السلبية لجائحة "كوفيد-19" تقوض الجهود الرامية إلى تعزيز السلام، قال معالي الأستاذ فيصل بن عبد الرحمن بن معمر، الأمين العام لمركز الحوار العالمي (كايسيد)، في بيان افتتاحي للاجتماع الافتراضي الذي عقد بعد ظهر اليوم: "إن السلام ليس سلبيًّا ولا ينشئ عن الافتقار إلى الصراع، بل إن السلام فعال ويرمي إلى إحداث التغيير وهو يدعونا إلى العمل على مجموعة من القضايا التي ستناقش اليوم، مثل تغير المناخ والعنف الجنساني وعدم المساواة والعدالة الاقتصادية".
وتتطلب معالجة هذه القضايا المنهجية تعاونًا بين أتباع الأديان ومؤسسات القيم الدينية على الأقل؛ إذ إنه عندما تجتمع القيادات الدينية وأتباعها معًا ويتعاونون، يمكن حينها إيجاد حلولٍ لأكثر المشكلات المشتركة إلحاحًا. وقد تجلى ذلك في أثناء الجائحة، كما قال ابن معمر، حين اتحدت القيادات الدينية في جميع أنحاء العالم لدحض نظريات المؤامرة الخطيرة وتشجيع السلوكيات الرامية إلى تفادي الإصابة بفيروس "كوفيد-19".
ووافقت المشاركة في جلسة النقاش الأخت باي لينغ لوه، وهي الوسيط الديني ورئيس المجلس الاستشاري البوذي الماليزي (MBCC)، بدورها على أن منظمات القيم الدينية قد اضطلعت بدور محوري في أثناء حالة الطوارئ الصحية العالمية.
وقالت: "لقد وجدت القيادات الدينية أن لها دورًا مهمًّا من حيث المساعدة على وضع إجراءات تشغيلية موحَّدة أعانت أتباع الأديان المختلفة على إيجاد أرضية مشتركة".
وأضافت لوه أيضًا أن القيادات الدينية كانت من العوامل الأساسية التي عززت فكرة أخذ اللقاحات وعالجت مخاوف أتباعها بشأن منشأ الأدوية التي طُورت حديثًا ومدى شرعيتها الدينية.
وفي حين يرجع الفضل إلى القيادات الدينية في المساعدة على زيادة معدلات التحصين في المجتمعات الدينية، ما تزال هنالك مشكلة مستعصية بشأن عدم المساواة في توزيع اللقاحات على الصعيد العالمي. ومع أن الدول الغنية تمكنت من إنتاج جرعات كافية لحماية أعداد كبيرة من سكانها، فإن البلدان الأقلَّ نموًّا والأكثر فقرًا قد تُركت عرضة للإصابة بالفيروس والموت بسببه.
ولغاية الخامس عشر من سبتمبر لهذا العام، بلغت نسبة من أخذ اللقاح أكثر من 60% من الناس في البلدان ذات الدخل المرتفع، وفقًا للَّوحة العالمية لقياس الإنصاف في الحصول على اللقاحات، في مقابل 3% فقط في الدول ذات الدخل المنخفض. وقال دافيد فرنانديز بويانا، وهو ناشط في مجال حقوق الإنسان والمساواة بين الرجل والمرأة، إنه لا يمكن السماح لهذا التفاوت بالاستمرار.
وأضاف: "وكما أن الدول ينبغي لها أن تكفل تأمين الأدوية وإمكانية الحصول عليها وقَبولها ثقافيًّا وجودة نوعيتها، فإن الدول المتقدمة تقع على عاتقها مسؤولية [مساعدة الدول الأفقر] عبر المساعدة والتعاون الدوليَّين".
وهذا الشعور بالمسؤولية يعزز التزامًا أوسع نطاقًا بمعالجة موجة التمييز والوصم والكراهية التي رافقت الجائحة، ولتحقيق ذلك، كما أوضح بويانا، فإنه يجب التركيز على مجال حيوي واحد وهو التعليم.
وأوضح السيد فرانسيسكو روخاس أرافينا، الذي مثَّل جامعة السلام في جلسة النقاش، أن بناء السلام عبر المنح الدراسية هو الغاية الرئيسة لجامعته.
وأضاف قائلًا: "في اليوم الدولي للسلام، فإننا بحاجة إلى تعزيز ثقافة السلام واللاعنف وإن الثقة تتيح بناء التعاون وتُبنى الثقة عن طريق التعليم".
وبالبحث والدراسة، يمكن تطوير الخبرة التي تساعد المجتمعات المحلية على الالتقاء معًا لمواجهة التحديات المشتركة، وأكبرها تغير المناخ؛ إذ إن الاحتباس الحراري يزداد بوتيرة سريعة ومقلقة ممَّا يعرض الموارد الطبيعية لضغط كبير ويغير طريقة استخدام الأراضي. وفي أجزاء معينة من العالم، تعمل هذه المتغيرات المناخية على تعميق الانقسامات الطائفية وخلق توترات جديدة وإثارة مواجهات دامية.
ولعكس هذا الاتجاه، يتعين على منظمات المجتمع المدني وصانعي السياسات والمجموعات الدينية العمل معًا على البحث عن حلول بيئية، وهي الحلول التي أشير إليها في الندوة الإلكترونية هذه سابقًا.
وقال الأب الأكبر دومينيك رانكين، وهو الرئيس العام السابق لشعب الألغونكين: "نحن بحاجة إلى أن نجتمع معًا حتى نتمكن من إيجاد لغة مشتركة لمساعدة الأم الأرض. وعندما تعاني الأم الأرض، فإننا جميعًا نعاني. وإن أمنا الأرض ليست سلعة للتجارة، وإنها تحتاج أطفالها كي تتعافى وتُشفى".
وسواءٌ كان هذا التعاون يكافح آثار تغير المناخ أم يعالج تبعات الجائحة، فإن التعاون على المستوى الشعبي غالبًا ما يكون أكثر أشكال النشاط فاعلية. ثم إنه كثيرًا ما يكون الإلهام والتنظيم ودعم المشاركة المحلية والمناصرة عمل القيادات الدينية، وهي وظيفة مهمة أساسًا كما ذكر في الندوة الإلكترونية هذه.
وختامًا، قال الدكتور أمجد محمد سليم العالم السياسي ومدير البرامج في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر: "إذا أردنا بناء السلام في العالم حقًّا، فعلينا أن نبدأ [بالسياق] المحلي".
وأضاف قائلًا إن "أي حل لبناء السلام يجب أن يبدأ على الصعيد المحلي، ومنظمات القيم الدينية جزء من تلك العملية".